من أحق الناس بحسن صحابتي ؟
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : ( جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ - يعني : صحبتي - ، قال ﷺ : أمك ، قال : ثم من ؟ قال ﷺ : أمك ، قال : ثم من ؟ قال ﷺ : أمك ، قال : ثم من ؟ قال ﷺ : أبوك ) [متفق عليه]
و في رواية : ( يا رسول الله ، من أحق بحسن الصحبة ؟ ، قال ﷺ : أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أباك ، ثم أدناك أدناك ) .
كنت في السابق قبل سنوات من الآن - أعتقد حينما كنت طالباً في المرحلة الإبتدائية - لا أفهم ما هو المقصد الحقيقي من هذا الحديث ، و ما معنى الصحبة المقصودة ؟! ،
و كيف لرجل يتيم ، تَيَتَمَ و هو بعمر السادسة أن ينصح بهذا الشيء دون أن يعيشه ؛ أين هو الخلل ؟! ،
هل الخلل من عندي أم من عند المعلم الذي لم يبين لي المقصد الحقيقي من هذا الحديث ؟!
في الحقيقة الآن و بعد كل تلك السنوات التي مضت لا يمكنني أن أتذكر بدقة من المُخطيء ؛ خاصة لأن معلمي في تلك المرحلة كان رجلاً فاضلاً و أحسبه على خير ، و كان على درجة جيدة جداً من الإخلاص في العمل ، و لكن ربما هو نقص في توضيح و بيان الحديث في الشرح العام له بكتاب الوزارة ، و لربما كان الهدف الرئيسي من إدراج هذا الحديث في تلك المرحلة هو حث الأطفال على بر الوالدين لا أكثر .. وهذا ما تحقق بالفعل .
و لكنني بعد أن إنتقلت للتعليم الأزهري و تحديداً بالمرحلة الإعدادية درست هذا الحديث بكتب الحديث الخاصة بطلاب المعاهد الأزهرية و كان فيه شرحاً أكثر توسعاً مما كان عليه في كتب وزارة التعليم المصرية ، ليصبح إدراك الدارس للحديث في تلك المرحلة هو نفس إدراك العالم المحقق له ، و ذلك لأن مؤلف الكتاب عالمٌ في الأصل من علماء الحديث و محققيه ، و شارحه أيضاً فهو عالمٌ تلقى العلم على يد علماء الأزهر أصحاب النفوس التقية النقية ، و كما أن الله ﷻ حفظ القرآن الكريم ؛ كتابه المنزل ، فهو أيضاًﷻ حفظ أحاديث النبي ﷺ على يد هؤلاء العلماء و في صدورهم ، إذ يقول ﷻ : { إن هو إلا وحي يوحى } ،
فما من أحدٍ يفتح الله عليه في هذا العلم إلا و قدكان هذا الفتح بتوفيق من عنده ﷻ ، و لا يرزق التوفيق من عند الله ﷻ إلا لمن كان مخلصاً حقاً ؛ فلا تجد المنافقين في هذا الدرب من العلم ، لذا كان على أن أتفكر أكثر فأكثر في المقصد الحقيقي من هذا الحديث ، و خاصة أنه ورد أيضاً بعنوان " بر الوالدين " كان على أن أسأل أكثر و أكثر لكي أعلم ، و لكن ما حدث كان عكس ما كان يجب أن يكون ، و ما كان مني إلا أنني حفظت الحديث و شرحه و معانيه بنص الكتاب المقرر كي أجتاز الإمتحان و لا حاجة لي بالزيادة ، وتمر السنون و أنتقل للمرحلة الأخيرة من التعليم الأزهري ما قبل الجامعي ؛ و هي المرحلة الثانوية ، و يتكرر الحديث و لكن هذه المرة بشرح مختلف و في كتاب مختلف و من عالمٍ مختلف و على يد معلمٍ مختلف و في مرحلة عمرية مختلفة أيضاً " هذه المرحلة هي المرحلة الأكثر نضجاً عن سابقتيها " و في ذاك الوقت لم أجد نفسي إلا بين كلام أكبر و معان أدق و شرح أعمق ، فما كان مني إلا ما كان في السابق ، و مع أني كنت أتسائل دوماً عن معنى " الصحبة " المقصودة في الحديث أهي برٌ فحسب كما ذكر الشارح أم أن هناك معناً خفياً لا يعلمه إلا من رحم ربي ، كنت أتسائل دوماً كيف ليَتِيمٍ أن ينصح بهذا و ما كان ينصره من الخلق بعد وفاة أمه و هو في عمر السادسة حتى وفاته أكثر من جده و من بعده جده عمه و زجته خديجة و صاحبه أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - ، لماذا لم ينصح السائل و يقول له : أن أحق الناس بحسن صحابتك زوجتك أو صاحبك مثلاً ، و هذا لِما كان يفعله صاحبه أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - معه ﷺ كما ورد في الأثر ، و لماذا لم يقل له زوجتك و هي التي كانت تدعمه دائماً ﷺ و هي أول من آمنت برسالته - أقصد : خديجة رضي الله عنها - ، فضلاً عن كونه ﷺ كان يحبهما حباً جماً ، لماذا لم يقل له جدك أو عمك أو ... أو ... أو ... ؟!
كانت تلك هي تساؤلاتى حينها !
و لما ورد هذا الحديث في الأكاديمية الشرعية أصبحت أتسائل أكثر فأكثر ، و أبحث عن حلٍ لهذا اللغز الذي حيرني كثيراً في السابق !!!
لماذا الأم خصيصاً هي التي تكرر ذكرها دون غيرها ؟!
لماذا لم يكن جوابه ﷺ أمك ثم أبوك ثم جدك ثم عمك ثم صاحبك ثم زوجتك ثم ... ثم ... ثم ... ؟ لماذا كان الرد بتكرار الأم وحدها ثلاث مرات و الأب مرة واحدة ؟
لماذا ذكر ﷺ الأب من الأساس وهو الذي لم يرى أباه حتى ، ليأتيني الرد من عن عند الله ﷻ في صورة ذكرى لمواقف كنت قد عشتها بنفسي وكأن الله أراد لي أن أعلم بالتجربة لكي أوقن أنه ﷺ { ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى } ،
كنت أمر بالموقف واحد تلو الآخر ليقف بجانبي من أراد الله له أن يكون معي و يرحل عني من لا يريده الله لي ؛ ربما لعدم صدقه و الله أعلم ، و لكن في كل وقت و حين كانت #أمي هي الحاضرة معي دون أن تتركني لحظة ، كانت تدعمني بكل قوة و الأهم من القوة أنها دائماً ما كانت تدعمني بحب و صدق و مازالت ،
#الصدق هذا هو السر الذي كُررت من أجله #الأم ثلاث مرات في الحديث ، هذا #الصدق لا يوجد إلا بداخل #قلب_الأم 🫀🤱🏻 و هو موجه بشكل خاص لأبنائها فحسب دون غيرهم من المخلوقات ، هذا #الصدق الذي جعل أم تضحي بحياتها كي ينجو ابنها من الهلاك و هي حيوان لا يعقل .. فقط لأنها تحمل قلب أم صادقة بداخلها 💖
هذا #الصدق الذي كنت أراه في دعاء إمرأة أعرفها لأحد ابنائها الذي تسبب لها في الأذى النفسي الشديد بعد وفاة زوجها الذي على إثره عانت من إكتئاب حاد لسنوات عديدة ؛ الأذى الذي جعلها تُفضل أن تترك بيتها و بيت زوجها و بيت أبيها الذي ولدت و ترعرعت فيه و تزوجت و أنجبت فيه أيضاً ، لتذهب و تعيش في مكانٍ آخر مختلفاً تماماً عن طباعها لكنه كان بعيداً كل البعد عن أذى الابن الذى كان يؤذيها و زوجه ، و ما كان قرارها هذا إلا تخلصاً من الأذى وبحثاً عن علاجٍ للإكتئاب القاتل ، و بالفعل كانت تتخلص من الإكتئاب بسرعة كبيرة بسبب هذا البعد المريح ، و لكنها و مع كل هذا الأذى لم تكن تحمل لابنها العاق إلا كل الحب و الرحمة و الصدق ، و دائماً ما كنت تدعو له بالخير ، و لطالما أرادت رؤيته شوقاً إلا أنه كان جاحداً للدرجة التي جعلته ينقطع عنها بالشهور دون أن يراها و لما إقترب وقت وفاتها تمنت أن تراه كي تودعه الوداع الأخير لكنه لم يأتيها إلا بطلب منها و للأسف جائها مؤذياً .. ليته ما جاء ،
و لما حان موعدها ما كانت إلا ذاكرة له بالدعاء ، دعاء من قلب أمٍ صادقة ،
تلك المواقف التي عشتها بنفسي و رئيتها رأي العين ما كانت إلا بمثابة رسائل من عند الله ﷻ لي ، كي أعلم علم اليقين لماذا كان جوابه ﷺ ( أمك ثم أمك ثم أمك ... ) - الحديث - ،
و لكي أعلم المعنى الحقيقي لـ " الصحبة " المذكورة في الحديث ،
لذا نصيحتي لي أولاً و لكل ابن و بنت ثانياً ؛
عزيزي القارئ / عزيزتي القارئة :
احسنوا صحبة أمهاتكم و لا تفضلوا عليهن أي أحد كائناً من كان و لا حتى نفسك ، و ابحثوا عما يسعدهن و افعلوه و اكثروا منه ، فلا أحد أسعد بكم منهن و لن تجدوا من يفرح لكم بكل حبٍ و صدقٍ كما يفعلن 🤱🏻✨💖
أما من توفيت أمهاتهن ، فبرهن موصول غير منقطع حتى بعد وفاتهن ، و ذلك ببر أمهاتهن و أختواتهن و صديقاتهن ، و بصلاح أنفسكم و دعائكم لهن بالخير .. فالولد الصالح ينتفع بصلاحه والديه بعد موتهما ؛ قال ﷺ : ( ... و ولد صالح يدعو له ... ) - الحديث - .
أمك ثم أمك ثم أمك ، ثم أبوك .
أيمن_الزمبيلي#
#AymanZembely
( August 11, 2020 )